من السلوك المؤلم إلى الفهم الرحيم
في إحدى ساحات اللعب، طفل صغير يقترب من زميله، ثم فجأة… يعضه.
تصرخ الأم، يغضب الأب، تبكي الضحية، ويتوتر الجميع.
ويبقى هذا الطفل، في الزاوية… خائفًا، مرتبكًا، غير قادر على تفسير ما فعله،
ولا لماذا فعله.
فهل الطفل الذي يعض الآخرين هو عدواني؟
هل هو سيئ الخلق؟
هل يحتاج إلى تأديب قاسٍ؟
أم أن الأمر أعمق بكثير مما يظهر؟
🧠 أولًا: ما علاقة فرط الحركة بالسلوك العنيف مثل العض؟
فرط الحركة (ADHD) لا يعني فقط النشاط الزائد…
بل هو اضطراب عصبي يؤثر على:
- التحكم في الدوافع (impulsivity).
- تنظيم المشاعر والانفعالات.
- الاستجابة للمحفزات الحسية.
- القدرة على التوقف والتفكير قبل الفعل.
أي أن الطفل المصاب بفرط الحركة قد يعض دون نية أذى،
بل كردة فعل لحظية:
- غضب لحظي شديد.
- توتر حسي مباغت.
- رغبة في التفاعل دون لغة مناسبة.
- محاولة للهروب من ضغط عاطفي.
📌 لماذا يلجأ الطفل للعض؟
أسباب العض تختلف، لكنها غالبًا تكون:
1. 😤 تفريغ انفعال لا يعرف كيف يُعبر عنه
الطفل يغضب، لكنه لا يصرخ… بل يعض.
الطفل يُستثار، لكنه لا يملك كلمات… فيستخدم فمه.
2. 🤯 تحفيز حسي زائد
قد تكون الإضاءة قوية، الصوت مزعج، أو اللمس غير متوقع…
فيُطلق جسده استجابة “فجائية”، مثل العض.
3. 🧩 عدم فهم التفاعلات الاجتماعية
قد يظن أن العض هو تواصل (مثل الضرب كتحية عند بعض الأطفال)،
أو وسيلة للفت الانتباه حين لا يجد كلمات مناسبة.
4. 🛑 فقدان السيطرة اللحظي
بسبب الاندفاعية، لا يستطيع أن “يتوقف” أو “يفكر” قبل الفعل.
💔 ما لا يجب أن تفعله أبدًا
❌ الصراخ عليه أمام الناس
❌ ضربه أو عضه كعقاب (كما يفعل بعض الأهل للأسف!)
❌ إحراجه أو وصفه بـ”الوحش” أو “الشرير”
❌ طرده من مكان اللعب مباشرة دون تفسير
كل هذه التصرفات لا تعلّمه شيئًا… بل تزيد شعوره بالخزي والارتباك.
✅ ما الذي يجب أن تفعله؟
1. 🧘♂️ كن هادئًا… واحتوِ المشهد
قد تكون ردة فعلك الطبيعية الغضب،
لكن تذكّر: الطفل بحاجة لفهم نفسه، لا لتخويفها.
اقترب منه، اجلس لمستواه، وقل بهدوء:
“ما الذي أزعجك؟ هل غضبت؟ ماذا شعرت قبل أن تعض؟”
2. 🗣️ علّمه بدائل التعبير
- “إذا غضبت، قل لي: أنا غاضب.”
- “إذا أردت أن يلعب معك، قل له: هل ألعب معك؟”
- “إذا انزعجت من الصوت، غطِّ أذنيك أو ابتعد.”
✨ درّبه على هذه الجمل يوميًا بلعبة تمثيلية أو بطاقات مصورة.
3. 🛠️ استخدم أدوات تهدئة حسية
- كرة ضغط صغيرة.
- قطعة قماش ناعمة.
- مضغ خاص للأطفال (chewy tube).
- سماعات لعزل الصوت.
- وقت استراحة هادئ بعد التحفيز العالي.
هذه الأدوات تساعده على تفريغ التوتر دون إيذاء أحد.
4. 🧠 افهم “قبل” أن تُعاقب
اسأل نفسك:
- هل كان المكان مزدحمًا؟
- هل كان الطفل جائعًا؟
- هل تم استفزازه من طفل آخر؟
- هل شعر بأنه غير مفهوم؟
أحيانًا، يكون العض صرخة استغاثة لا أكثر.
5. 📘 علّمه بالقصص المصورة
استخدم كتبًا أو قصصًا قصيرة فيها شخصيات “تعلمت ألا تعض”،
أو ابتكر قصة فيها طفل يُشبهه، يمر بنفس الموقف… ثم يجد الحل.
الطفل يرى نفسه في القصة، ويتعلم من خلالها دون توبيخ مباشر.
🏫 ماذا لو حدث هذا في المدرسة؟
للمعلمين:
- لا تعزلوا الطفل، بل احتضنوا مشاعره أولًا.
- أخبروا الأهل دون تهويل: “ابنكم عض، سنعمل سويًا لتعديل هذا.”
- لا تجعلوا الطفل ضحية أو مجرمًا.
- أدمجوه في خطة دعم سلوكي واضحة:
- جدول مكافآت.
- أدوات حسية.
- وقت راحة منتظم.
- مراقبة المحفزات.
💌 من القلب إليك كأب أو أم:
طفلك ليس وحشًا.
هو لا يريد أن يؤذي أحدًا.
لكنه يعيش في عالم سريع، مزعج، ومتطلب…
بينما دماغه يعمل بتردد مختلف.
فلا تحكم عليه من تصرف عابر…
بل قف معه، وساعده على فهم نفسه.
❝ العض ليس مشكلة سلوكية فقط… بل إشارة إلى احتياج لم يُلبّ. ❞
🕊️ في الختام:
في كل مرة تعالج فيها “العض” بالحب لا بالعقاب،
أنت لا تمنع الفعل فقط، بل تبني إنسانًا يعرف كيف يُعبّر، لا كيف يُهاجم.
علمه أن فمه ليس للسلوك المؤلم…
بل للكلمات، للضحك، وللأكل الطيب،
وأن قلبك… دائمًا مكانٌ آمن له، مهما أخطأ.