التوحد: طيف واسع ومفاهيم خاطئة شائعة

عندما نتحدث عن التوحد، غالبًا ما تتبادر إلى أذهاننا صور نمطية قد لا تعكس الحقيقة الكاملة لهذا الاضطراب المعقد. في الواقع، التوحد ليس “حالة واحدة”، بل هو “طيف واسع” من التحديات والقدرات الفريدة. هذا التنوع هو ما يجعل فهم التوحد تحديًا، ولكنه أيضًا يجعله مجالًا غنيًا بالفرص لدعم كل فرد على حدة. يهدف هذا المقال إلى توضيح مفهوم “طيف التوحد” وتفنيد بعض المفاهيم الخاطئة الشائعة التي قد تعيق الفهم الصحيح والدعم الفعال.

المرونة والتنوع: لماذا يُسمى “طيف التوحد”؟

مصطلح “اضطراب طيف التوحد” (Autism Spectrum Disorder – ASD) يشير إلى أن التوحد يظهر في مجموعة واسعة ومتنوعة من الأشكال. هذا يعني أن:

  1. شدة الأعراض تختلف: قد يظهر لدى بعض الأفراد تحديات كبيرة في التواصل الاجتماعي والتكيف مع التغيير، بينما قد يواجه آخرون تحديات أقل حدة أو تظهر لديهم في سياقات مختلفة.
  2. ملامح التوحد متنوعة: قد يمتلك فرد قدرات لغوية متطورة جدًا، بينما يواجه آخر صعوبة بالغة في الكلام. قد يظهر أحدهم سلوكيات متكررة بشكل واضح، بينما لا تظهر هذه السلوكيات بنفس الحدة لدى آخر.
  3. القدرات والمواهب متفاوتة: على الرغم من التحديات، فإن العديد من الأفراد ذوي التوحد يمتلكون مواهب وقدرات فريدة في مجالات معينة، مثل الذاكرة الفوتوغرافية، أو المهارات الفنية، أو القدرة على التركيز الشديد على التفاصيل.
  4. التطور يختلف: ينمو ويتطور الأفراد ذوو التوحد بمعدلات مختلفة وبطرق غير خطية أحيانًا، مما يعني أن المهارات قد تظهر وتختفي أو تتطور بشكل غير متوقع.

هذا التنوع هو السبب في أننا لا نقول “شخص مصاب بالتوحد”، بل “شخص على طيف التوحد” أو “شخص ذو توحد”، تأكيدًا على فردية التجربة.

تفنيد المفاهيم الخاطئة الشائعة حول التوحد:

في سعينا نحو فهم أدق، من الضروري معالجة بعض الأساطير والمفاهيم الخاطئة التي لا تزال منتشرة:

  1. المفهوم الخاطئ: التوحد نتيجة لسوء التربية أو برودة الأم.
    • الحقيقة: هذا مفهوم خاطئ تمامًا وقديم جدًا. التوحد هو اضطراب نمائي عصبي له أسباب وراثية وبيولوجية معقدة، وليس له أي علاقة بكيفية تربية الطفل أو مدى حب الوالدين. اللوم على الأهل يؤدي إلى شعورهم بالذنب ويمنعهم من البحث عن الدعم الفعال.
  2. المفهوم الخاطئ: جميع المصابين بالتوحد عباقرة أو لديهم قدرات خارقة.
    • الحقيقة: بينما يمتلك بعض الأفراد ذوي التوحد مواهب وقدرات استثنائية (مثل متلازمة أسبرجر سابقًا)، إلا أن الغالبية العظمى لا يمتلكون هذه القدرات. هذا المفهوم قد يخلق توقعات غير واقعية أو يتجاهل التحديات الحقيقية التي يواجهها معظم الأفراد ذوي التوحد.
  3. المفهوم الخاطئ: الأفراد ذوو التوحد لا يريدون التفاعل الاجتماعي.
    • الحقيقة: قد يجد الأفراد ذوو التوحد صعوبة في التفاعل الاجتماعي وفهم قواعده المعقدة، لكن هذا لا يعني أنهم لا يرغبون في تكوين علاقات. الكثير منهم يرغبون في الصداقة والتواصل، لكنهم يفتقرون إلى المهارات اللازمة أو يواجهون صعوبة في التعبير عن رغباتهم.
  4. المفهوم الخاطئ: التوحد يمكن الشفاء منه.
    • الحقيقة: التوحد هو حالة دائمة تستمر مع الشخص مدى الحياة. لا يوجد “علاج” للتوحد، ولكن التدخلات المبكرة والمناسبة، مثل العلاج السلوكي، والعلاج الوظيفي، وعلاج النطق، يمكن أن تحدث فرقًا هائلاً في تطوير المهارات وتحسين نوعية الحياة.
  5. المفهوم الخاطئ: الأفراد ذوو التوحد لا يشعرون بالمشاعر.
    • الحقيقة: الأفراد ذوو التوحد يشعرون بالمشاعر، ولكن قد يواجهون صعوبة في التعبير عنها بالطرق التقليدية أو فهم تعبيرات الآخرين. قد تظهر مشاعرهم بطرق مختلفة، وقد يحتاجون إلى دعم لتعلم كيفية التعرف على مشاعرهم ومشاعر الآخرين والتعبير عنها بطريقة مناسبة.
  6. المفهوم الخاطئ: اللقاحات تسبب التوحد.
    • الحقيقة: هذا المفهوم تم دحضه علميًا بشكل قاطع. لا توجد أي دراسات علمية موثوقة تربط بين اللقاحات والتوحد.

نحو رؤية أكثر شمولية وواقعية:

إن تبديد هذه المفاهيم الخاطئة هو خطوة أساسية نحو بناء مجتمع أكثر تفهمًا ودعمًا للأفراد ذوي التوحد وعائلاتهم. عندما ندرك أن التوحد طيف واسع وأن كل فرد فريد، يمكننا تقديم الدعم المخصص والفعال الذي يحتاجه كل شخص لتحقيق أقصى إمكاناته. التوحد ليس مرضًا يجب الشفاء منه، بل هو طريقة مختلفة في التفكير والفهم والتفاعل، يجب علينا احتضانها ودعمها.

أضف تعليق