لماذا يخاف الطفل المصاب بالتوحد من صوت المكنسة الكهربائية؟

فهم الألم الخفي الذي لا نراه… لكنه يهزّ كيانه من الداخل

في منزلٍ هادئ، تبدأ الأم بتنظيف الأرض… تشغّل المكنسة الكهربائية،
وفجأة…
يندفع طفلها نحو زاوية الغرفة، يغطي أذنيه، يصرخ، يبكي، ربما يضرب رأسه في الحائط، أو يركض مذعورًا وكأن زلزالًا حلّ بالمكان.

قد تنظر الأم بحيرة،
وتقول في داخلها:

“إنه فقط صوت مكنسة! لماذا كل هذا؟”

لكن لو علمت الأم ما يشعر به طفلها في تلك اللحظة
لربما وضعت المكنسة جانبًا، وجثت أمامه، وضمّته دون كلام.


🌪️ ما الذي يختبره الطفل المصاب بالتوحد عند سماع صوت المكنسة؟

🔊 الصوت الذي نسمعه… ليس كما يسمعه

نحن نسمع صوتًا مزعجًا قليلًا، لكنه متوقع.
أما الطفل المصاب بالتوحد، فيسمع زئيرًا داخليًا، غير متوقع، يقتحم دماغه بعنف.

إنه لا “يتدلّع”.
ولا “يتصنّع الخوف”.
بل حرفيًا، يعاني من:

📉 اضطراب في تنظيم المعالجة الحسية (Sensory Processing Disorder)

أي أن دماغه لا يُفلتر الأصوات بالطريقة الطبيعية.

  • ما تسمعه أنت كـ “همهمة كهربائية”،
    يسمعه هو كـ “صوت انهيار صخري داخل جمجمته”.
  • وما يبدو لك “خلفية صوتية للعمل”،
    يبدو له كخطر حاد يستوجب الهروب فورًا.

🧩 ما هي خصائص الصوت التي تزعجه تحديدًا؟

الخصيصة الصوتيةكيف تؤذيه؟
🔁 الرتابة المستمرةتُربكه، كأنها لا تنتهي أبدًا
📈 الذبذبات الحادةتلامس أعصاب أذنه كالإبر
🚨 المفاجأةتصيبه بالارتباك والذعر
🌀 الصدى أو الرجّيجعله يشعر أن جسده يهتز رغمًا عنه

😞 ماذا يفعل الطفل حين لا يتحمّل الصوت؟

  • يضع يديه على أذنيه بقوة.
  • يصرخ صرخة طويلة دون توقف.
  • يضرب الأرض أو رأسه.
  • يدخل في نوبة هلع.
  • أو يهرب فجأة من المكان.

💬 هو لا يُحاول لفت الانتباه… بل يحاول النجاة.


🧠 لماذا لا يستطيع “التعوّد” على الصوت مع الوقت؟

  • لأن جهازه العصبي حساس بطبيعته لا بتربيته.
  • كل تعرض جديد هو “اعتداء حسيّ”، لا فرصة للتكيف.
  • ليس لديه أدوات داخلية “لتهدئة نفسه” بسهولة.
  • لا يملك الكلمات التي تعبر عن الضيق: فيصرخ أو يهرب بدلًا من الشكوى.

💔 مشهد متكرر في البيوت… ومأساة صامتة

👩‍👦 أم تشغل المكنسة… ابنها يصرخ…
👩‍🦰 الجدة تقول: “دلوع… خليه يبطل تمثيل!”
👨‍🦱 الأب يصرخ: “يكفي صراخ!”
🧒 والطفل في الزاوية، لا يفهم لماذا يُؤذى… ثم يُلام.


💡 كيف نتعامل مع هذا الخوف الحسي؟ (خطوة بخطوة)

1. 🫂 ابدأ بالاعتراف

قل لنفسك:

“هو لا يبالغ. هو يعاني.”
“صوته الداخلي أهم من صوت المكنسة.”


2. 🎧 وفّر له أدوات مساعدة

  • سماعات كتم الصوت (Noise-Cancelling Headphones).
  • سدادات أذن مصنوعة من السيلكون الناعم.
  • أو تشغيل صوت مهدئ (قرآن، موسيقى خفيفة) أثناء تشغيل المكنسة.

3. ⏱️ اختر الوقت والمكان المناسبين

  • شغّل المكنسة وهو في غرفة أخرى.
  • أعلمه مسبقًا: “سأشغّل المكنسة بعد 5 دقائق”.
  • أعطه خيارًا: “هل تود أن تدخل غرفتك أو أضع السماعات؟”

4. 🛏️ أنشئ “زاوية الأمان”

خصص له ركنًا:

  • فيه وسادة ناعمة.
  • غطاء خفيف.
  • ألعابه المفضلة.
  • وأخبره: “هذا مكانك حين تتضايق”.

5. 🧸 التعرض التدريجي

دربه بالتدريج على تقبّل الصوت:

  • استمعا سويًا إلى تسجيل منخفض لصوت المكنسة.
  • ناقش معه المشهد عبر صور أو فيديو.
  • دعْه يمسك المكنسة (وهي غير مشغلة) ليقلّ توتره منها.

💬 شهادة من أم سعودية:

❝ كنت أحسبه “عنيد”… كلما شغلت المكنسة، صرخ!
تعبت… ثم قرأت عن “اضطراب المعالجة الحسية”.
جربت سماعات… خصصت له ركنًا… وبدأت أخبره مسبقًا.
صار يطمئن أكثر… لم يعد يخاف بنفس الحدّة.
واكتشفت أن كل ما كان يحتاجه… هو أن أصدّقه. ❞


🕊️ خاتمة إنسانية:

في عالمنا المليء بالضجيج،
هناك أطفال يسمعون الحياة بصوت أعلى منّا جميعًا…
في داخلهم حواس لا تهدأ، ومشاعر لا تُفهم بسهولة.

فلا تقل لطفلك: “ما فيه شي يخوّف!”
بل اقترب منه، وقل:

“أنا عارف إن الصوت يزعجك… خليني أساعدك.”

لأنك حين تحميه من صوت المكنسة…
فأنت لا تحمي أذنيه فقط، بل تحمي قلبه من الانهيار.

أضف تعليق